الطريق إلى الفرح
الطريق إلى جهنم منقّبة من الشوك
الطريق إلى الفرح تشبه أن تخدع الطريق بمسلك أقصر فتخزك الأوراد أسفل قدميك
الطريق إلى الفرح تمرّ حتمًا بجهنم
الآباء نظروا في الماء ولم يروا وجوههم، رأوا امتحان الربّ يسقط في البئر
على رؤوس الجبال كانت الأرائك المرصّعة بالذهب تذوب
وأنهار اللبن المجاورة كانت تتبخّر كغاز الطهي
هناك من طهى قلوبنا فيها وأطعمها للذئاب
الطيور التي تحلّق على ارتفاع الأساطير نقرت خشب العروش فأكلته الديدان
أحاول أن أتخيّل طعم الماء المغموس بامتحان الربّ
فتتراءى أمامي اللحظات التي حاولت فيها إقناعك بجدوى الحبّ
الحقائب التي كدّست فيها خساراتي ورميتها في مؤخّرة السيارة، كانت تخرج كساحرةٍ وتقف عند مفارق الطرق، وبعصاها تحوّل المدينة إلى غرفة نوم.
أحاول أن أتخيّل لون الماء المنقوع بامتحان الربّ
إنه أخضر كالسهول التي زرعها أبي باللوز وصودرت كطفولة إيديت بياف
أحمر كصوتها في الأغنية التي تعلمني كيف أن المازوخيّة حق
وأن جهنم حقٌ أيضًا
وطريق معبّدةٌ إلى الفرح
لا يقطع أوصالها مبعوثون بأجنحةٍ بيضاء ولا قضاةٌ بموازين للنوايا
النوايا حسنةٌ دائمًا
حتّى أنّ الذئاب لم تقصد نهش قلوبنا
إنه الجوع
وأنا جائعة للفرح
*****
لم أصدّق أنني سأتعلّم يومًا أن أموت* إمنيسكو
لم أصدّق أنني سأتعلّم يومًا أن أموت
لم أكن حيث كان الموت مجانيًّا
كنت حيث دفع جدّي لأمي ثمن عرق عاملي القطن الذي صنع بزّته العثمانيّة
ثمن أميالٍ حافية إلى نساء البوسنة
ثمن دموعهن على صدور رجالهنّ قبل الحرب
ثمن رايات الربّ
ثمن نزق الإمبراطور ومرضه الطويل
سال دم البلقان فوق قميصي المدرسيّ
وجد المدرّسون نذور الثأر في حقيبتي فزوّروا فصول التاريخ
لم أكن حيث كان الموت صدفة على الطريق
كنت حيث دفع جدّي لأبي ثمن توقيع في أسفل صفحة، ثمن تسليم قريته في أسفل الجبل، رفع المحتل يده عنها، رفع الثائر يده عن خصره. بجرّة قلمٍ يخدّر حبر جدّي السفح. بطيّة ورقة يطوي الجبل على التاريخ، بمصافحة يُخرج يد المرج من فوّهة الدبابة.
أشجار اللوز ماتت في غرف عمليّات القلب، خيول الأعراس أغشت عيونها بالحنّاء وانتحرت.
لم يطهّر أحدٌ عرقي. لكنّ النخاع الشوكيّ في ظهر الجبل انكسر. فانكسر حظّي في أن نصعده معًا، وأن ننظر إلى خطى المسيح على البحيرة ونقلّدها.
لست أنا المعجزة
لم أمش على الماء ولم أشف نفسي من علّات حبّك
إنما هو ماء قلبي الذي تعلّمت أن أحوّله إلى إسفلت كلّما تذكّرتك
تعلّمت أن أنجو من الحمم البركانيّة التي سالت من جبال خوفك
ولم أتعلّم الموت
لم أكن حيث كان الموت درسـًا واحدًا وإلى الأبد
حيث الصاروخ الذي خانته ذاكرته فنسي الطريق
الرصاصة التي لم تقصد أن تتوقّف عن أن تكون قلمًا
المذبحة التي مرّت في الطريق العام ورمت السّلام
بينما كنت أسير في الشارع الخلفيّ
أقطف الصفّير وأشاهد الحروب في أفلام الكرتون
لم أصدّق أنني سأتعلّم يومًا أن أموت
إلا حين كانت حرب بيروت تُغرق تهليلة أمي في البئر
تفوح رائحة الغارات من فرن الطبخ
يدخل صوت الفدائيّ إلى كاسيت أم كلثوم
الجماجم التي عبّدت طريق المدينة، تخرج من الملصق المعلّق بجانب السرير وتهدهدني، تقرع فوق رأسي الطريّ مثل لطميّة طويلة. فأتوقف عن البكاء، أو يتوقف أصحابها عن البكاء فيها.
ينمو قلبي في البئر كشجرة رمّان، كلّما انكسر غصن أتسلّق آخر في الطريق إليك. ينكسر كلّي، فأصير عشًّا. الطيور تنظر في الماء فترى وجه بوسنيّة يضحك أنظر فيه فأرى وجهك.
أنا طفلة الأنابيب التي هُجنت في مختبر طبّي
شممت رائحة خيول ميتة في مني أبي
وانسحبت
ولدت في الشهر السابع
بعد أن لطمنني بوسنيّاتٌ في رحم أمي
وانسحبت
لم أصدّق أنني سأتعلّم يومًا أن أموت
إلا حين ارتكبت مجزرة الخليل على كعكة عيدي التاسع. أشعلتُ الشموع على سجاجيد بيت إبراهيم. ذابت هناك وحيدةً ولم يغنّ عليها أحد. أغاني العيد تسقط في البئر، الهدايا تسقط نذور ثأر في حقيبتي
لو أنّ للنذور أيادٍ لحفرت قبري
لو أنّ لأشجار اللوز نخاعًا شوكيًا لداسته
لو أنّ للجبال قصائد لمدحته
لو أن لدموع البوسنيّات مناقير ومخالب لنقرت حجارته
ولخرجت
أتعلّم الدرس الأوّل
أن الجمجمة المهشّمة في الملصق جمجمتي
وأنّ الدم فوق قميصي
إنما دمي
*الشاعر الروماني ميهاي إمينسكو